أخر الاخبار

رحلة في رِحاب الماضي



 رواية "ثلاثية غرناطة" للكاتبة المصرية "رضوى عاشور"


رواية أقل ما يقال عنها أنها يجب أن تكون برف كل عقل و برف كل مكتبة، هي رحلة طويلة تأخذك فيها الكاتبة رضوى عاشور إلى غرناطة تتخيل شوارع غرناطة وأهل غرناطة. تفهم من خلالها العقلية الانهزامية للمواطن العربي التي بدأت من أيام سقوط الأندلس ، وتوالت بعدها سقوطات كثيرة .. رواية محزنة، كيف لا وهي تدور حول حدث غيّر مجرى التاريخ وهو سقوط غرناطة آخر منارة من منارات الأندلس .

رواية تعيش معها حياة المسلمين بعد سقوط غرناطة وأحوالهم الصعبة كأنك حضرت تلك الفترة من تاريخ المسلمين المؤلم. البكاء و الدموع وحدها تكفي لتقييم الرواية ، لا يمكن لكتاب خطتهُ يد بشرية أن يجعلك تبكي و تتألم و تحزن و تعيش الصدمة والخسارة كما فعلت رضوى عاشور هي رواية فيها حياة أندلسية كاملة حيث أسرة أبو جعفر وزوجته وتستمر الأحداث بهم وتمر الأعوام وتتبع الأجيال وتظل الرواية في محورها متحدثة عن بلاد الأندلس بعد السقوط وحال المسلمين في هذه الفترة من عمليات التنصير والترحيل ومحاكم الكشف.

في رواية ثلاثية غرناطة سنشعر بمأساة العلماء والكتب ومأساة طراز الأندلس ومساجدها وهي تُحول لكنائس، رواية متكاملة ستذكرك بتاريخ العرب المنسي فيها مشاعر صادقة جداً ، حزينة جداً، ستشعرها وتحياها بين أبطال الرواية، ستبكي مع مريمة وتبكيها، وترثي لـ علي تشرده، وستموت حرقًا ككتب سميحة، رواية كتبتها رضوى عاشور بدموع التاريخ، إنها رواية تُقرأ، ثم تُقرأ من جديد. ثلاثية غرناطة توقظ فيك إنسانيتك باحترافٍ كبير ، فهي تفتح شقاً في القلب لن يصلح له رتقٌ فيما بعد ، رحلة متعبة بين أسطر رواية شاهقة ، وبعد كل رحيل ستزداد الغصة وتتغلغل شخصيات الرواية إلى مسامك ولن تغادرك .. عشت الثلاثية ،تجولت في شوارع غرناطة في البيازين، على حافة النهر ، حارة الصناديق ، الحمامات العامة ذو التراث العربي .. أحببت شخصية مريمة ، عاصرت لحظات الرحيل انهكني البكاء على الأطلال ضاق صدري كما صدر أب جعفر . عشت على أمل أن تعود الأندلس على رغم علمي باستحالة ذلك. الكاتبة فاجئتنا بأحداث كثيرة من بينها تسليط الضوء على التعذيب الذي طال المسلمين بجميع أشكاله وكيف أوقعتنا هشاشتنا العقائدية إلى ما يعيشه المسلمين في كافة أنحاء العالم.

لا يمكن الكلام عن هذا العمل المذهل بكلماتٍ مختصرة، اعتقد أن الجيل الحالي كله قد قرأها وانبهر بها. اعتقد أن هناك جيلًا كاملًا من الروايات ذات الأصل التاريخي خرج من عباءة هذا العمل. أظن من الاستحالة أن يستطيع أحد قراءة الرواية ( وإن كان من غير المسلمين )دون أن يعتصر الألم قلبه وتفيض عيناه دمعاً لشدة المعاناة فيها والتي أحسب أنها جزءٌ من فيض من معاناة المسلمين في تلك الأوقات. الراوية فيها الكثير من الشخصيات والأحداث التاريخية من الأندلس ، إذا لم يكن القارئ مطلع على تاريخ الأندلس أظنه سيجد صعوبة في فهم الأحداث. روايةٌ عظيمةٌ جداً ولم أكن اتصور أن رضوى عاشور عبقرية بهذا الشكل لدرجة أن أعيش مع الشخصيات والأحداث واتأثر بها تأثراً شديداً وكأني واحدة منهم. حقاً إنها رواية تستحق القراءة جداً.

| بقلم : ميار مصطفى، من سوريا 

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -