جدّتي امرأة عظيمة ، جليلة جميلة ، تحمل مقود التّحدّي و تحبّ كثيرا التّصدّي ، قالت يومها : أنتم أعيني ، فردّت والدتي : و أنت لهم كلّ آمالي.
كنت حينها أصارع الملابس في قصعة من نحاس أحمر أصيل ، فجاءت من بعيد ، تلوّح من جديد ، فتارة تنظر ، و أخرى تحمل و تحظر ، بيدها كرسيّ أخضر بهي جميل الطّلعة قويّ عظيم الحضور سويّ.
خشت نفسي ، فوقفت بنفسي ، تركت المكان ، و لوحت الحنان .
جلست جدّتي بهيبة و وقار أمام تلك القصعة ، فكلّمتها مرحبا ، فانتهت الملابس شكرا .
اندهشت لسرعتها ، و كمال دقّتها ، فكنت التّلميذة التي تحاكي شيختها ترتيلا ، فتتناغم و الحرف تعبيرا .
أنهيانا من تلك المعركة لنسير بقافلتنا إلى المطبخ ، دخلت و دخلت ، ثمّ جلست و جلست في هنيهة .
طلبت قدرا كبيرا و سكّينا كقوّة علي في حرب و حضور ، قدّمت لحبيبتي ما أرادت ، و بقيت أراقب ما جمعت و أدارت ، إذ بها تخلط أصفرا مع أحمر و تلوّح لأخضر كي يأتي .
حينها فقط علمت أنّي يومها لازلت صغيرة طريفة ، و حكايتي معروفة مألوفة ، و جدّتي دروس و جلوسها مدروس .
انتهى يومي بعدها ، و ارتسمت على مقلتيّ حمدُها ، فاجتمعنا و ما كنّا و كان الأكل شهيّا طيّبا ، و الرّائحة زكيّة معبّرة ، تقدّم الكلّ شرها إلاّ خجولا مرحا ، لطفي الصّغير كان مدلّلا معروفا ، فحملت هي نسخة من لحم فأيقظت في نفسه صهيلا من حزم ، فبدأ و بدأنا ، ثم انتهى في شبع .
كانت ليلة بهيّة ، أنجمها عليّة ...اللهم ارحم جدّتي و اجعلها في علييّن ، مع البررة الكرام ، الحسان الجمال .
ليأتي الغد مشرقا ، حاملا راية الانتصار مقبلا .
قررّنا الخروج ، اعتدلت و لبست و ناديت جدّتي و انطلقنا، حملت حقيبها في ارتياح ، و حملت هاتفي في اجتياح .
نزلنا الدّرج في وثوق ، و الابتسامات تغمرنا في شروق، خرجنا بعدها نضحك و الكل إلينا ينظر في اندهاش ، هي زمن مضى و رفيقتها زمن قد يأتي ، لا إشكال ..
توقّفت أمامنا سيّارة كبيرة جميلة ، فنزل منها رجل في وجهه التّقوى و الورع ، هو خالي بهي الطّلعة .
قالت له جدّتي : لم تأخرّت ، و كيف صرت ، و الآن أسرع لأنّ ابنتي تنتظرني .
صعدنا سويّا و تحت أنغام الهدوء انطلقنا ، كان يسوق بارتياح دون خجل أو احتجاج منّا ، وصلنا باكرا و العمّال كلّهم منشغلون ، هي المطاعم كعادتها تنسّق ثيابها ، اختارت الجدّة مكانا في زاوية ربّ..